Thursday, 17 December 2015

مواقع أثرية سورية على لائحة التراث العالمي..وتحت جحيم الحرب 2


مدينة دمشق القديمة:
مدينة دمشق القديمة هي أقل مواقع التراث العالمي في سوريا تضرراً منذ بدء الأحداث العسكرية، والخطر الأكبر الذي يهددها أنها تبعد مسافة قليلة عن حي جوبر الذي تعتبر من أهم مراكز الاشتباكات بين الفرق المتنازعة في قلب العاصمة دمشق، هذا ما يجعلها باستمرار عرضة للقصف والقذائف ورصاص القناصة، فحسب تقارير اليونيسكو للأعوام 2013 – 2014  – 2015 يمكن حصر الأضرار بما يلي:
– تشييد أبنية حديثة مخالفة في قلب المدينة الأثرية.
– أضرار كبيرة ناتجة عن القذائف تركزت في الواجهة الغربية للجامع الأموي، الواجهة الغربية لقلعة دمشق، كما البوابة الشرقية وجدران قاعتها الملكية، وواجهة المدرسة العدلية، والمدرسة الجقمجية (متحف الخط العربي)، والعديد من الملكيات الخاصة والمحال التجارية في باب توما وحارة اليهود، أيضاً تعرض البرج الشمالي الغربي للقلعة الأيوبية لضرر كبير نتيجة القذائف في شباط 2015.. إضافة إلى أضرار متوسطة نتيجة القذائف في الكنسية الأرثودوكسية في باب شرقي.
– أضرار بسبب الحرائق: استهدفت العديد من المحال التجارية في قلب المدينة الأثرية في أحياء ساروجة والقنوات.

– أظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطت في كانون الأول 2014 أضراراً متوسطة في خان الحرمين، خان الزيت، جامع هشام، جامع منجك، بيت شيرازي، والعديد من الحمامات.
لابد من الذكر أن مديرية الآثار والمتاحف في دمشق قام بخطوات بسيطة لإعادة ترميم فسيفساء وواجهة الجامع الأموي الغربية.

ـ أدرجت مدينة دمشق القديمة ضمن لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي سنة 1979، تحت بند التخطيط المعماري المتميز كما أدرجت ضمن لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي المهدد بالخطر سنة 2013.
وتأسست مدينة دمشق حوالي 3000 قبل الميلاد، هي مركز حضاري وتجاري هام جدا بسبب موقعا الجغرافي، وتعتبر من بين أقدم مدن العالم المستوطنة دون انقطاع على مدى تاريخ تأسيسها. ولم تبرهن دمشق أهميتها الكبرى كمدينة ومركز حضاري إلا بعد وصول الاراميين واستيطانهم فيها. فيما تقدم المدينة طابعاً معمارياً ساحراً تم خلقه وابتكاره من الحضارات المتعاقبة على المدينة، الهلنستية، الرومانية، البيزنطية والإسلامية. على الرغم من أن الحضارة الإسلامية كانت آخرها إلا أنها لم تخفي أبداً معالم الحضارات السابقة وتأثيراتها خاصة الرومانية والبيزنطية التي تظهر واضحة في التخطيط المعماري للمدينة بالدرجة الأولى.

المدن المنسية في شمال سوريا:
تعتبر المناطق الأثرية الشمالية من سوريا من أكثر المناطق التي تضررت بسبب الحرب، وجاءت تقارير اليونيسكو للأعوام 2013  – 2014 2015 –  على النحو التالي:
– سكن المواقع من قبل اللاجئين: أخليت معظم قرى محافظة إدلب من سكانها بسبب تردي الأوضاع الأمنية فيها، فلجا السكان إلى المدن المنسية وسكنوها (سرجيلا، شينشارة، قلب لوزة وجرادة)، كما قاموا بنصب خيم في محيطها وداخلها، وتأذت بشكل كبير بسبب أعمال الحفر التي قاموا بها في أساست الأبنية من أجل الصرف الصحي، بالإضافة لأعمال الغرافيتي العشوائي التي نفذت على جدرانها.
– أضرار كبيرة جداً ناتجة عن آليات الحفر الثقيلة التي أدخلت للموقع من أجل أعمال البناء الحديثة والتي بدأت تظهر بشكل واضح بقلب المواقع الأثرية، وبالتالي العبث بهويتها وخاصيتها، إضافة إلى اقتلاع حجارة المواقع واستخدامها في الأبنية الحديثة بشكل غير قانوني (البارة، منطقة سمعان، الرويحة، شيخ بركات، جبل الزاوية) كما تم نزع معظم فسيفساء أرضيات دير وقلعة سمعان.
– أعمال تنقيب غير شرعية: تمت ملاحظتها بشكل مكثف في (منطقة سمعان والبارة) من قبل محليين أرادوا الوصول للعملات المدفونة والنبش بالمقابر التي كان قد ظهر جزء منها بطريق المصادفة أثناء حفرهم للتمديدات الصحية في هذه المواقع بعد استيطانها، وأدت هذه الأعمال إلى ضرر كبير في الواجهة الداخلية لدير سمعان.
– أضرار ناتجة عن الأعمال العسكرية: اتخذ القناصة من دير سمعان مركزاً لهم بسبب ارتفاعه وموقعه الاستراتيجي، حيث يمكن مشاهدة آثار الرصاص بشكل واضح بالتماثيل الحجرية (منطقة سمعان)، والعديد من المعابد والمقابر في (منطقة البارة). كما قامت بعض الفرق المسلحة بحرق واقتلاع أشجار الزيتون في (منطقة سمعان) والتي تشتهر بها المنطقة وتعود لمئات السنين.
  
كما أظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطت في كانون الأول 2014 أنه تم بناء حائط جديد بطول 132 م في (منطقة شينشارة)، وتآكل في التربة، وحفر وثقوب تدل على أعمل التنقيب غير الشرعي، وما يقارب 80 مبنى تم إنشاؤه حديثاً ضمن المناطق الأثرية إضافة لآثار المركبات العسكرية في (منطقة سمعان).

ـ أدرجت المدن المنسية ضمن لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي سنة 2011، تحت بند التخطيط المعماري الذي مازال قائماً بحالة جيدة جداً، كما أدرجت ضمن لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي المهدد بالخطر سنة 2013.
هي جزء من محافظة إدلب في شمال سوريا تعرف بالمدن المنسية أو الميتة، مجموعة من 40 قرية قسمت إلى 8 مناطق متميزة بتخطيطها المعماري حتى الآن، وتقدم مثالاً رائعاً من الفترة الحضارية الرومانية إلى العهد البيزنطي، ما يميز هذه المدن أنها تم هجرها وتوقف الاستيطان فيها لكنها لم تدمر، فعند التجول في هذه المدن نستطيع أن نرى الأعمدة، البوابات، المساكن، المعابد والكنائس التي تعود للقرن الأول الميلادي، والأسوار والجدران الدفاعية، وعناصر توليد الطاقة المبكرة، بالإضافة إلى وسائل الإنتاج الزراعي التي تعتبر غاية التطور في ذلك الوقت.

مدينة تدمر الأثرية
من أكثر المناطق التي تم تسليط الضوء عليها بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والتدمير الهمجي الذي قاموا به بحق معالم هذه المدينة، إلا أن تقارير اليونيسكو للأعوام 2013 –  2014 – 2015   قد ذكرت ووثقت العديد من الأضرار قبل سيطرة داعش، تم حصرها بنقطتين:
– أضرار ناتجة عن أعمال تنقيب غير شرعية: تمت بشكل مكثف في منطقة المدافن وخاصة غير المنقب فيها سابقاً. وسرقة العديد من المنحوتات باستخدام آليات نقل وحفر ثقيلة، والتي تم ضبط العديد منها عن طريق الانتربول، حيث كانت تنقل من لبنان إلى أوروبا من خلال شبكات اتجار محترفة. كما تم رصد نزع حجارة الأساس واستخدامها لرصف طرق جديدة.

– أضرار ناتجة عن الأعمال والاشتباكات العسكرية: تمت ملاحظتها في واجهة معبد بل أحد أهم معابد مدينة تدمر، وانهيار اثنين من أعمدته، وإنشاء طرق جديدة داخل المدينة القديمة باستخدام آليات عسكرية ثقيلة من شمال غرب منطقة المدافن وصولاً إلى منحدر القلعة العربية، التي تم استخدامها كحصن عسكري من قبل قوات النظام.
كل هذا الضرر أصبح لا يذكر اعتباراً من أيار 2015 تاريخ سيطرة داعش على تدمر، ففي آب 2015 قام التنظيم بتفجير معبد بعل شمايين الذي تهدم بمعظم أجزائه لكن أغلب الضرر تركز في حرم المعبد والأعمدة المحيطة به.
بعد ذلك بعدة أسابيع قاموا بتفخيخ معبد بل وتفجيره حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية حجم الدمار الهائل الذي حل به.
في الشهر العاشر من هذا العام أيضاً قاموا بتفجير قوس النصر الروماني الذي يعد عنصراً رئيسياً في مخطط المدينة الرومانية. بالإضافة لتفجير ثلاث من المدافن البرجية التي تمتاز بها المدينة فضلاً عن علميات السرقة وتجارة الآثار التي تعتبر مصدر التمويل الثاني لهذا التنظيم.

ـ أدرجت تدمر ضمن لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي سنة 1980 أيضاً تحت بند المخطط العمراني الذي ما زال قائماً بشكل جيد حتى الآن، وأدرجت ضمن لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي سنة 2013.
تدمر واحة في قلب الصحراء السورية شمال شرق دمشق، تضم آثار وبقايا واحدة من أهم المراكز الحضارية في العالم القديم في القرنين الأول والثاني للميلاد، العمارة والفن التدمري هو محصلة ثقافات إغريقية- رومانية مع مزيج من التقنيات المحلية، كما أن تأثيرات الفن الفارسي واضحة بشكل كبير أيضاً. أول ذكر لها كان في نصوص ماري في الألف الثاني قبل الميلاد، دخلت تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية في منتصف القرن الأول للميلاد، كانت نقطة وصل تجارية بين بلاد فارس والهند مع الإمبراطورية الرومانية، تتميز بمعابدها، والمسرح الروماني كما بمدافنها البرجية الفريدة من نوعها.
 تم النشر في موقع الحل السوري 26/11/2015

Saturday, 10 October 2015

مواقع أثرية سورية على لائحة التراث العالمي.. وتحت جحيم الحرب 1


ستة مواقع أثرية سورية مسجلة ضمن لائحة اليونيسكو للتراث العالمي وهي: (مدينة دمشق القديمة، مدينة حلب القديمة، مدينة بصرى القديمة، مدينة تدمر الأثرية، المدن المنسية في شمال سوريا، قلعتا الحصن وصلاح الدين)، مع العلم أن ما يسجل على تلك اللائحة هو ما يتميز بالفرادة والخصوصية، وما يعبر عن حالة استثنائية لتقليد ثقافي أو حضاري مازال موجوداً، وإدراج موقع ما على تلك اللائحة يحوله من إرث محلي إلى إرث عالمي يحظى باهتمام دولي، وينال ميزانية معينة يتم إقرارها سنوياً من أجل الحفاظ عليه والتأكيد على قيمته عبر الأجيال.

كان لأغلب المواقع السورية الأثرية من ضمنها المواقع الستة المسجلة على لائحة التراث العالمي، نصيب كبير من الاشتباكات العسكرية الدائرة في مختلف أنحاء البلاد، وهو ما دفع منظمة اليونسكو لإدراج تلك المواقع ضمن لائحة مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر وذلك وفق قرار صدر عن المنظمة الأممية عام 2013.
يتضمن التقرير الأضرار التي لحقت بمواقه (قلعة حلب، مدينة بصرى، قلعة الحصن)

ـ مدينة حلب القديمة:
بدأت الاشتباكات العسكرية في حلب في شهر تموز من عام 2012، ومنذ أول يوم كان للمدينة القديمة نصيب كبير من الأضرار، وبات من المستحيل تقريباً توثيق كل الأضرار التي تحدث يومياً في المدينة، فحسب تقارير اليونيسكو تتفاوت تلك الأضرار بين دمار كلي وجزئي ومحدود، حيث هناك ما يزيد عن 121 مبنى تاريخي تعرض لأضرار كبيرة، كالجامع الأموي الكبير ومئذنته التي تعتبر من أروع المآذن بعناصرها الزخرفية المتميزة، والتي من المعتقد أنه تم نهب مابقي منها بشكل كامل، بالإضافة إلى البيمارستان النوري، وبيت أجقباش(متحف التقاليد الشعبية)، وخان الحرير، وخان الصابون، وخان الجمرك، ولائحة طويلة من الجوامع والكنائس والمدارس الدينية كجامع العدلية، العثمانية، المهمندار، الأطروش، مدرسة الفردوس، الطرطنائية، الحلوية، مدرسة الشيباني، الكنيسة المارونية، كنيسة الشيباني، كنيسة الروم الكاثوليك، وغيرها.

وفي 29 أيلول 2012 تم حرق سوق حلب القديم (المدينة)، وهو أكبر سوق مغطى في العالم بمساحة 16هكتار، حيث التهمته النيران بالكامل، وكان يعتبر عصب الحياة التجارية في حلب قديماً وحديثاً، وتم احتراقه بعد تفجير فندق الكارلتون الذي كان مقراً لقوات النظام، من قبل الفصائل المعارضة، وهو ما أدى أيضاً لحصول أضرار جسيمة في سور قلعة حلب وفي المناطق المحيطة كمبنى العدل (السرايا القديمة)، وجامع السلطانية، وخان الشونة، وحمام يلبغا الأثري وغيرها….
ـ تقع مدينة حلب القديمة منذ أقدم العصورعلى مفترق أهم طرق التجارة العالمية، حيث توالت عليها حضارات مختلفة، تركت بصمتها بشكل واضح بدءاً من قلعتها التي تضم آثاراً تعود للألف الثاني ق.م، وشوارعها المتقاطعة ذات التخطيط اليوناني – الروماني، مروراً بالكنائس البيزنطية، وصولاً للخانات والمدارس والحمامات والمساجد التي تعود لمختلف العهود الإسلامية الأموية، والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية.. يذكر أنه تم إدراج مدينة حلب القديمة تحت لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي عام 1986

  ـ مدينة بصرى القديمة:
في عام 2013 وصلت الاشتباكات العسكرية إلى محيط مدينة بصرى الأثرية في محافظة درعا، وبدأت تتوافد التقارير المحلية عن الوضع الراهن، والأضرار التي تعرض لها الموقع بالإضافة إلى دلائل قدمتها صور الأقمار الصناعية، وبعد تحليل هذه التقارير والصور من قبل اليونسكو، تقرر إدراج الموقع تحت لائحة المواقع المهددة بالخطر.
وأفادت منظمة اليونيسكو بما يخص الوضع الحالي لمدينة بصرى من خلال التقرير الصادرة في نهاية 2014 أنه يمكن تحديد الضرر منذ 2011 بعدة نقاط هي الاستيطان العشوائي، وبناء حائط حجري حديث مقابل بوابة المدينة الغربية، وتوثيق أعمال جرف في سور المدينة، وبناء العديد من الأبنية السكنية الحديثة بطريقة عشوائية، إضافة لأعمال الغرافيتي التي تملأ جدران وأسوار المدينة.
وتعرض الموقع لعمليات سرقة عدة، استهدفت بعض العناصر الزخرفية من حمام منجك، فضلاً عن سرقة متحف الموقع الموجود داخل القلعة الرومانية.
كما أدت الأعمال الحربية في المنطقة إلى انهيار الصخر في الجزء الشرقي من مبرك الناقة، وانهيارات في المسجد العمري، وانهيار جميع العناصر الزخرفية والأفاريز في الكليبة (سرير بنت الملك) إضافة إلى انهيار الجزء العلوي من صومعة الراهب بحيرة، كما هنالك ضرر محدود في خندق القلعة، بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة الحاصلة في السوق الأرضية نتيجة الإنفجار الذي حصل بين السوق والمسجد العمري.
ـ سجلت بصرى على لائحة التراث العالمي عام 1980 وذلك لغناها بالآثار التي تعود لفترات حضارية مختلفة، حيث يمكن أن نلاحظ الخصائص العمرانية الرومانية من خلال التخطيط والتقسيم النمطي للمدينة، مروراً بالكنائس البيزنطية وصولاًللجوامع والمدارس الإسلامية.
أهم معالم المدينة هو المسرح الروماني الذي استطاع أن يحتفظ بشكله وتصميمه بحالة جيدة جداً مما جعله من أهم المسارح الرومانية الباقية حتى الان في العالم، والذي تم تحصينه بالأبراج والأسوار الدفاعية في فترة العصور الإسلامية.


ـ قلعة الحصن:
منذ أيار 2012 بدأت تتوافد التقارير عن وصول الإشتباكات العسكرية إلى منطقة قلعة الحصن وتمركز قناص في البرج الغربي منها، وذلك بعد سيطرة الجيش الحرعلى القلعة، كما تعرضت لضربات جوية من قبل طيران النظام السوري في كانون الثاني 2013، أيار 2013، تموز 2013، وآذار 2014.
وحسب تقرير اليونيسكو بما يخص الوضع الحالي لقلعة الحصن يمكن تقسيم الأضرار لثلاثة أقسام:
1ـ ضرر سطحي: يتضمن تفتت حجارة الأسطح كحد أقصى 10 سم، وظهور الطبقات المقاومة للمياه، وتحطم جزئي في واجهة قاعة الفرسان، بالإضافة لفقدان وتحطم العناصر الزخرفية وبعض الأقواس.
2ـ ضرر جزئي: يتضمن آثار حريق كبير خلف الكنيسة، وتحطم ساحة المكتبة والدرج المؤدي إليها، لكن هذا النوع من الأضرار لا يؤثر بشكل مباشر على توازن هيكل القلعة.
3ـ ضرر شديد: يتضمن تفجير البرج الجنوبي الشرقي، وانهياراً كاملاً للأدراج الرئيسية داخل القلعة، وتفجير برج قائد القلعة، فضلاً عن انهيار سقف الكنيسة.. وتعتبر هذه الأضرار خطيرة وتمس مباشرة بأساسات القلعة، ولذلك فهي تتطلب تدخلاً فورياً لترميمها.
 ـ أدرجت قلعة الحصن في لائجة التراث العالمي عام 2006، حيث تعود للقرن 11 م، دعيت بادئ الأمر بقلعة الأكراد، أعيد بناؤها خلال الفترة الصليبية ومرة أخرى في أواخر القرن 13 م على يد المماليك، وتتميز عمارتها بأنها تتألف من حصنين داخلي وخارجي يفصل بينهما خندق مما يزيد من متانتها وصعوبة اختراقها.
تم النشر في موقع الحل السوري 9 تشرين الأول 2015

Tuesday, 1 September 2015

تدمر.. أمس التاريخ والحضارة.. وخراب اليوم


في شباط 2012 انضمت تدمر إلى منطقة النزاع المسلح في  سوريا حيث تمركزت قوات النظام السوري داخل المدينة الأثرية حول معبد بل والمتحف، إضافة للقناصة المتمركزة خلف أسوار المسرح الروماني، بينما تمركزت الفصائل الأخرى على أطراف المدينة .
في معظم الأوقات كانت المدينة تحت سيطرة قوات نظام الأسد في ذلك الوقت، وعلى الرغم من أن تلك القوات هي من الجيش النظامي، إلا أنه تم توثيق الكثير من عمليات النهب والسرقة وعمليات التنقيب غير الشرعي سواء من قبل مختصين، أو من قبل تجار ولصوص الآثار، حيث تم رصد ذلك من خلال:
ـ صور الأقمار الصناعية التي بينت أن أعمال الحفر العشوائي تركزت في الفترة ما بين أيلول 2012 وتشرين الثاني 2013 في منطقة المدافن، أما في الفترة ما بين تشرين الثاني 2013 وآذار 2014 فتركزت غرب الأغورا، بالإضافة إلى رصد حفريات داخل معبد بل.

ـ من خلال تقارير الجهات المختصة، حيث استطاع فريق من أعضاء متحف مدينة تدمر في الشهر العاشر 2013 من الدخول إلى المدينة لتوثيق الأضرار الحاصلة، وبين التقرير الصادر عنهم أن أغلب الحفريات تركزت في منطقة المدافن الجنوبية الشرقية.
ـ عصابات وشبكات تجارة الأثار، ففي 17/05/2013 قامت السلطات اللبنانية بالتعاون مع الانتربول من إيقاف أفراد شبكة تهريب للآثار في سوريا، حيث كان من المقرر بيع القطع المسروقة في مزاد علني في لندن، وهي عبارة عن قطع جنائزية بيزنطية ورومانية مسروقة من مدافن تدمر.
كما قامت اليونيسكو بالإبلاغ عن مجموعة من العملات النقدية الإسلامية التي تم رصد بيعها من خلال أحد مزادات الانترنت المتخصص بالعملات، ولم يتم التحرك من قبل السلطات المعنية حتى الآن.
هناك العديد من المعاهدات والاتفاقيات تحد من تجارة الآثار في هذه الحالات لكنها ليست فاعلة بالشكل المطلوب لحد الآن.
ـ الأضرار التي تم رصدها في الفترة ما بين شباط 2012_ أيار 2015 تتركز في معبد بل بسبب موقعه في المنتصف بين قوات النظام السوري في الشمال والجهات المسلحة المعارضة من الجنوب، حيث تبدو آثار القذائف والرصاص واضحة على جدرانه بالإضافة إلى انهيار عدة أعمدة  وآثار الحريق واضحة تماماً في حرم المعبد ومعظم جدران السور.

ـ قوات نظام الأسد كانت متمركزة في القلعة الإسلامية بسبب ارتفاعها مما جعلها عرضة للانهيارات بسبب استخدام المعدات العسكرية الثقيلة، وعرضة للقذائف بشكل مباشر من الطرف الآخر.
أيار 2015:
ـ استطاع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) السيطرة على مدينة تدمر الأثرية، وتبدو المدينة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للتنظيم الذي ينقل مختصون ومطلعون على مقومات حياته، بأنه يعتمد بالدرجة الأولى على تجارتي النفط والآثار.
وأعلن التنظيم بأنه لن يقوم بتدمير أو التعرض للمدينة الأثرية هو فقط سوف يقوم بتحطيم “الأصنام الوثنية” و “المعابد” ولن يمس حضارة وتاريخ هذه المملكة، وذلك حسب مقابلة إذاعية مع أبو ليث السعودي (قيادي في التنظيم).
ـ قام التنظيم كأول خطة في استغلال آثار المدينة بطريقة غير شرعية، باستخدام المسرح الأثري كساحة لإعدام المحتجزين لديهم، كما قام في 18 اب 2015 بإعدام عالم الآثار خالد الاسعد الذي أفنى عمره في خدمة هذه المدينة، فقام عناصر التنظيم بتعليق جثمانه على أعمدتها.
ـ في آب 2015 أيضا قام التنظيم بتفجير معبد بعلشمين والذي تهدم بمعظم أجزائه، قبل شهر من تفجيره قاموا بتفخيخه وزرع المتفجرات في كل ركن فيه، والضرر الأكبر كان في (السيلا) أو حرم المعبد بالإضافة إلى الأعمدة المحيطة به.
يقع هذا المعبد في المنطقة الشمالية للمدينة ويعود للقرن الثاني الميلادي، ويتألف مخططه من سيلا وباحتين مقابلتين، يتميز بأعمدة  مدخل الحرم ذات الجبهات المثلثية التي تحمل كتابة تدمرية والمؤرخة عام 130/131 ميلادي.

لم يختر التنظيم المعبد اعتباطيا، فهو على دراية تامة بمدى أهمية هذا المعبد في تدمر، ومدى تفرده وخصوصيته في حفاظه على طرزه وعمارته.
ـ الخطوة الأخيرة في تدمير المدينة الأثرية حتى الآن، كانت يوم أمس حين أقدم التنظيم على تدمير أجزاء من معبد بيل الشهير، الذي يعتبر من أهم وأعرق المواقع الأثرية في المدينة، وحتى الآن اقتصر توثيق ذلك على ما نقله ناشطون من مدينة تدمر، حيث قالوا إن التنظيم فجر المذبح وجزءاً من المعبد.
يعود بناء معبد بل للقرن الأول الميلادي، واكتمل في القرن الثاني للميلاد، كان مكرساً لعبادة الرب بل، يتألف المعبد من ساحة يتوسطها الحرم لوضع تمثال الإله الرئيسي، وتحيط به أروقة تحملها أعمدة ذات تيجان مميزة بتصاميمها وزخرفتها من البرونز المذهب.

تدمر في سطور
تدمر أو بالميرا أو ما يعرف بعروس الصحراء، تقع وسط البادية السورية على مفترق طرق لحضارات وممالك متعددة. أدرجت في العام 1980ضمن لائحة اليونيسكو للتراث العالمي.
هناك شواهد في المدينة تعود الى العصر الحجري الحديث، لكن أقدم النصوص التي تذكر مملكة تدمر باسمها الحالي تعود للألف الثاني قبل الميلاد، ومن ثم ورد ذكرها في نصوص ماري التي تعود للقرن التاسع عشر قبل الميلاد.
بقيت تدمر إمارة مستقلة طوال عهد السلوقيين في بلاد الشام، كما احتفظت باستقلالها بعد سيطرة الرومان على سوريا 64 قبل الميلاد، ومنحها الإمبراطور هادريان لقب المدينة الحرة والكثير من الامتيازات.
بلغت أوج قوتها في عهد الملك أذينة الذي بدأ حكمه 258 ميلادي وحصل على عدة ألقاب من أباطرة الرومان، وبعد مقتله بظروف غامضة توجت زوجه زنوبيا ملكة على تدمر وقامت بالعديد من الفتوحات، ووصلت سلطة مملكتها لمساحات شاسعة في الشرق وهو مالم يعجب روما فتم التخلص منها.
رسخت المسيحية في تدمر في القرن الرابع الميلادي وتحولت معظم المعابد إلى كنائس، ثم تم ضمها للدولة الإسلامية على يد خالد بن الوليد عام 634 ميلادي، وفقدت تدمر سحرها في ظل الخلافات الإسلامية، وتعرضت للكثير من الغزوات من قبل قطاع الطرق لذلك قام فخر الدين المعني بأمر من الخلافة العثمانية ببناء قلعة أو حصن لحمايتها بسبب تردي الأوضاع الأمنية.
عمارة المدينة وأهم معالمها
الشكل الحالي يحمل طراز المدن الرومانية بكافة تفاصيله من الشارع المستقيم والمتقاطع مع شارع آخر يصل بين بوابات المدينة، مجلس الشيوخ، الاغورا، المصلبة، الأعمدة التذكارية، المسرح، المعابد وأهما معبد بل وبعلشمين، كما تتميز بمدافنها وهي على ثلاث أشكال ( برجية، أرضية وبيتية)  بالإضافة للكنائس، وقلعة فخر الدين التي تعود للفترة الإسلامية.
تم النشر في موقع الحل السوري 31 اب 2015

Monday, 1 June 2015

مواقع دير الزور الأثرية.. واقع الدمار, العبث وحقائق تجارة الآثار



منذ بداية عام 2011 في سوريا كانت ضفتا الفرات مسرحاً لعمليات القرصنة والنهب، ثم بعد ذلك تعرضت المواقع الأثرية في المنطقتين لدمار كبير نتيجة للعمليات العسكرية في محيط هذه المواقع.
ويمكن تقسيم ما تعرضت له هذه المواقع إلى عدة مراحل:
– كان التجار في البداية يعتمدون في عمليات التنقيب على أشخاص لديهم خبرة ومعرفة كبيرة بالمنطقة استندوا في تنقيبهم على خرائط ووثائق يعلمون من خلالها للوصول إلى هدف معين، ليستخرجوا الآثار ويتجهوا بها إلى الحدود المجاورة حيث لا رقابة ولا حدود.

– ثم تأتي مرحلة العمليات العسكرية في المنطقة، حيث تعرضت هذه المواقع للكثير من القذائف والصواريخ من قبل النظام السوري، ما أدى إلى أذى كبير لا يمكن أن يعالج أو يستعاد في كثير من الحالات.

– أخطر المراحل التي أحرقت كل شيئاً تقريباً هي مرحلة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي يقوم بتدمير كل ما تقع يده عليه يده من كنائس، معابد، مزارات، وتماثيل، باعتبارها أصناماً، لكن في الواقع تجارة الآثار هي الممول الأكبر لهذا التنظيم، حيث يمكن رصد خط هذه التجارة على النحو التالي نينوى- الموصل – الميادين – البوكمال – الرقة- تل أبيض ومن ثم تركيا فأوروبا.

ماري:

أو ما يسمى تل الحريري، هذه المدينة الأثرية التي تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات معروفة بتصميمها المعماري الدائري، الذي يتماشى مع جميع حالات النهر، مدروسة بطريقة دقيقة تتلاءم مع فيضان النهر، بحيث لا يتأذى شيء في المدينة باستثناء التجارة النهرية. هذا التصميم المعماري يعطي لمحة أو فكرة واضحة عن مدن القسم الشمالي من بلاد الرافدين خلال الفترة الآشورية القديمة.

التنقيبات الأولى في المدينة واكتشافها كان على يد البعثة الفرنسية بقيادة اندريه بارو منذ العام 1933، واستُكملت بعد ذلك من قبل جان مارغورون منذ العام 1979.

تم الكشف عن عدة قصور على سويات أثرية متعددة منذ الألف الثالث قبل الميلاد، إلى الألف الثاني قبل الميلاد. بالإضافة إلى ما يزيد عن 20000 رقيم مسماري معظمها يعود إلى الفترة البابلية القديمة، واللغة المستخدمة في معظم هذه الرقم هي الأكادية ، واحتوى الأرشيف على نصوص تخص أمور الإدارة والبلاط الملكي، بالإضافة إلى المراسلات التجارية.

تطورت هذه المدينة وأصبحت لها أهمية كبيرة بسبب وقوعها على أهم طريق تجاري في العالم القديم بين بلاد فارس، بلاد الرافدين، كاركميش (جرابلس)، وأجزاء من الأناضول .

يعتبر سكان ماري رافديين بامتياز وذلك على الرغم من بعد ماري 240 كم إلى شمال بابل. هذا ما جعلها مركز متنازع عليه، حيث دخلت الحضارات تحت سيطرة السومريين، الأكاديين، العموريين، والآشوريين.

ودمرت المدينة أكثر من مرة لتعود وتستعيد قوتها وموقعها الهام مع أشهر حكامها زمري ليم، الذي وصل نفوذه حتى لبنان. إلى أن استطاع حمورابي ملك بابل أخيراً أن يحقق انتصاراً حاسماً على زمري ليم، ويقضي نهائياً على ماري عام 1760 قبل الميلاد.

الوضع الراهن:

أظهرت التقارير الواردة عن الموقع أنه تعرض للكثير من التخريب والدمار، وذلك من خلال صور الأقمار الصناعية، حيث تبين وجود ما يزيد عن 50 حفرية تركزت ضمن القصر الملكي ( تحت مصطبة العرش) والبوابة الجنوبية، الحمامات ومعبد عشتار، إضافة إلى خمس حفريات ضمن معبد داجان، وحفريات ضمن الزاقورة من الأعلى تم قلع ركيزتها البيتونية . والأمر نفسه بالنسبة لباقي المعابد.

كذلك تم تدمير السقف المستعار الذي كان يغطي جدران الموقع نتيجة للقصف المدفعي وبسبب غياب الصيانة الدورية منذ العام 2011 أصبحت هذه الجدران بحالة يرثى لها، بسبب تعرضها لعوامل الحت والتعرية، إضافة إلى التعديات العمرانية في محيط التل وحرمه الأثري.
دورا اوروبوس:

أو ما يسمى حالياً صالحية الفرات، هذه المدينة الأثرية التي تقع في الصحراء السورية بالقرب من مدينة دير الزور على الضفة اليمنى لنهر الفرات. تم بناء هذه المدينة على هضبة تنتهي فجأة لتتحول إلى منحدر باتجاه الفرات ليكون موقعاً دفاعياً بامتياز بالإضافة إلى موقعه التجاري الاستراتيجي بامتياز أيضاً.

هي في الأصل مدينة بابلية لكن أعيد بناؤها فيما بعد عام 300 قبل الميلاد كمستعمرة عسكرية من قبل السلوقيين، سقطت بيد البارثيين حوالي100 قبل الميلاد، لتصبح مركز قوافل تجارية مزدهرة جداً، سيطر عليها الرومان 165 ميلادي، وفي ظل حكمهم كانت حصناً دفاعياً هاماً جداً، وقام الساسانيون بتدميرها حوالي 256 ميلادي.

تقدم المدينة مثالاً واضحاً عن مدن العصور القديمة لا تشبه أنطاكيا أو دمشق أو القدس، لكنها مدينة متوسطة الحجم أكثر من كونها مدينة ضخمة. تشتهر برسوماتها الجدارية والتي تعود للقرن الثالث الميلادي، يوجد فيها أقدم رسم تصويري للسيد المسيح بالإضافة إلى أول كنيسة في العالم، كما حصلت دورا أوروبوس في العام 2010 على جائزة كارلو سكاريا الدولية للمنتزهات الأثرية .

الوضع الراهن:

أفادت التقارير أن عدد الحفر الناتجة عن عمليات التنقيب غير الشرعي في دورا اروبوس وصل إلى 300 حفرة متفاوتة الأحجام منتشرة في كامل أرجاء الموقع خاصة بيت ليزياس والأسواق والحمامات.

و تتم عمليات الحفر باستخدام معدات متطورة، وهو دليل على أن هناك منظمات بحد ذاتها تقوم بذلك، تحظى بدعم وحراسة من تنظيم داعش. سببت الحفريات تخريباً للمدافن الأرضية والبرجية بالإضافة إلى تخريب أرضيات المعابد الجصية والرسومات الجدارية الموجودة على جدرانها، كذلك هدم الأعمدة في معابد بل، أدونيس، وأرتميس . تم نزع قرميد مدرجات المسرح وأحجار سور المدينة والحمامات الرومانية، وتم قلع حجارة الجدار الحجري الذي كان مرمماً حديثاً مما أدى إلى إحداث حفر في أساساته فهو عرضة للانهيار في أي لحظة، كما تعرض بيت البعثة الأثرية ومتحف الموقع إلى النهب وكذلك الوثائق و قطع الفخار والرسوم الجدارية المتبقية في المخبر.
حلبية وزلبية:

عبارة عن مدينتين توأمين يفصل نهر الفرات بينهما بالقرب من مدينة دير الزور بمساحة 30 هكتار تقريباً، تعتبر حلبية حصناً عسكرياً هاماً بسبب موقعها على مرتفع بارز ينخفض بالتدريج باتجاه زلبية، ويحوي أسواراً دفاعية هائلة متوجة بقلعة محصنة في أعلى التل أيام زنوبيا ملكة تدمر.

وأعيد تحصينها على يد الرومان حوالي 273 م. يحوي الموقع على عدة كنائس، مجمع حمامات عامة، شارعان متقاطعان وكل هذه الأبنية تعود للقرن السادس الميلادي في فترة الحكم البيزنطي حيث أعيد تحصين المدينة مرة أخرى في تلك الفترة أيضاً، بالإضافة لأهمية الموقع عسكرياً فهو يتمتع بموقع تجاري مميز.
الوضع الراهن: تم رصد العديد الدلائل على أعمال تنقيب غير شرعي بالجملة باستخدام آليات ثقيلة في المدافن البرجية، وفي الجهة الشرقية، والى جانب البازليك (الكنيسة) في منتصف الموقع، كما تمت سرقة بوابات الأبراج وإحداث ضرر في الأسوار مما جعلها مهددة بالانهيار.

الجسر المعلق:

من أهم معالم مدينة دير الزور له مكانة مميزة عند كل شخص من أبناء المدينة، باشرت فرنسا ببنائه على نهر الفرات عام 1925 يبلغ طوله 467 متراً وعرضه حوالي 45 وارتفاعه 36، يستند على أربع قواعد تنبثق عنها أربع ركائز بطول 25 متراً، لم يكن يماثله في العالم حينها غير جسر في جنوب فرنسا استمر بناؤه ست سنوات، وأنير بالكهرباء في 1947.

الوضع الراهن:

في 2 أيار 2013 تم تدمير الجسر المعلق وبدأت حملة الاتهامات المتبادلة بين النظام السوري والجماعات المعارضة المسلحة في المنطقة حول تحمل مسؤولية هدم هذا الجسر، الأمر تم عبر استهداف الدعامة الثالثة له مباشرة بقذائف مدفعية مما تسبب في تدمير الأسلاك الحاملة لبدن الجسر وسقوطه.

دير الزور محافظة منكوبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في جميع نواحي الحياة، تتعرض للقصف المستمر من قبل قوات النظام، بالإضافة إلى سقوطها تحت سيطرة تنظيم داعش الذي أثبتت الوقائع إجرامه بحق السكان وتاريخ المنطقة وتراثها. وهو ما سهل عملية الإتجار بالآثار، حيث أصبحت شائعة لدرجة أنك تستطيع الحصول على أي قطعة من الأسواق العامة في المدينة تباع من قبل أشخاص عاديين بمبالغ زهيدة جداً لحاجتهم الشديدة للمال، بسبب الوضع المأساوي الذي يعيشونه.

تم النشر في موقع الحل السوري 29 أيار 2015


Friday, 1 May 2015

مواقع أثرية في إدلب.. بين التدمير والإساءة والاستثمار غير المشروع


أكثر من 15000 قطعة أثرية بين قطع فخارية ومنحوتات تتوزع في محافظة إدلب سواء داخل متحف المدينة أو خارجه، وقد حاول المختصون منذ بداية الأحداث العسكرية الحفاظ عليها، وإبقائها في مكان آمن قدر الإمكان، لما لها من قيمة كبيرة.
وبمجرد توسع الاشتباكات ودخولها إلى المدينة، وجد موظفو المتحف والمختصون في مجال الاثار أنفسهم خارج المؤسسات التي يعملون بها، لتضع الفصائل العسكرية يدها على ما تبقى من قطع أثرية لم يصطحبها النظام معه عند خروجه من المدينة، وتنقل المصادر من إدلب أن مصير ما تبقى من قطع أثرية تمثل حضارة سوريا منذ آلاف السنين تم نهبها وتهريبها عبر تركيا، وبيعها ضمن شبكات دولية أنشئت لهذه الأغراض، وانتشرت بكثرة في المنطقة بعد حرب العراق 2003

انخرطت إدلب منذ  2012 تقريباً بالأحداث العسكرية في سوريا، وهي كما هو معروف من أهم المحافظات وأغناها بالمواقع والتلال الأثرية، والتي تغطي فترات زمنية طويلة منذ العصور القديمة وصولاً إلى الفترة الإسلامية، وقد تعرضت بمعظمها للقصف والتدمير والنهب.


إيبلا /تل مرديخ/ :

تعتبر إيبلا من أهم مواقع الأثرية في محافظة إدلب، وتعود تاريخياً إلى مملكة إيبلا ذات السيطرة والنفوذ مابين (2600- 2240 ) قبل الميلاد، حيث سيطرت في أوقات من هذا التاريخ على شمال سوريا الطبيعية، وجزء من  بلاد مابين النهرين، بالإضافة إلى بنائها شبكة علاقات دبلوماسية مع دول عديدة أخرى بالعالم القديم كإيران ومصر وسومر.
التنقيب في إيبلا بدأ في العام 1964، وأهم اكتشاف فيها كان في العام 1975، وهو أرشيف المدينة الذي يعود للألف الثالث قبل الميلاد ويضم ما يزيد عن 17000 رقيم مسماري، والذي اكتشف بحالة جيدة جداً محتفظاً بالترتيب نفسه الذي نسق ضمنه، ومن خلاله تم الكشف عن ماهية هذه المملكة من الناحية السياسية، الدينية، الاقتصادية،  الاجتماعية.

من الناحية العسكرية سيطرت إيبلا على ما يزيد عن 17 ولاية  منها لبنان حالياً، وكذلك جنوب شرق تركيا (مناطق غنية بالخشب والفضة)، وكانت مركزاً تجارياً وصناعياً هاماً، حيث أنتجت الأقمشة، والمعادن، وزيت الزيتون.
 اللغة في ايبلا كانت لغة إيبلائية، ومنهم من اصطلح على اعتبارها من ضمن شعبة اللغات السامية الغربية، من خلال الأرشيف المكتشف تم الكشف عن معاجم لغوية كاملة تم تحضيرها، حيث كانت إيبلا مركزاً تعليمياً هاماً يتم التوافد إليه من مناطق كثيرة في العالم القديم، بالإضافة إلى المراسلات الدبلوماسية والتجارية التي كشف عنها هذا الأرشيف والتي كانت تتم بين حكام إيبلا وملوك وحكام ممالك هامة  كمصر وقبرص وسومر، مما يدل على مكانة ايبلا ونفوذها.
 وتعتبر الحرب التي شنها سرجون الأكادي حفيد نارام سين في العام 2240 قبل الميلاد على إيبلا هي بداية النهاية، فقد دمرت أجزاء كبيرة من المملكة بأهم أبنيتها وقصورها ومراكزها الحكومية، بعد ذلك كانت هناك محاولات عديدة لإحياء المدينة نجحت في بعض الأحيان لكنها لم تستطع يوماً أن تعود لعصورها الذهبية كما كانت، واختفت تدريجياً بعد ذلك حتى لم يبق لها أي ذكر في القرن الثالث للميلاد.
 إستنادا إلى الصور التي التقطت عن طريق الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى التقارير الصادرة عن الجهات القليلة التي تعمل في الداخل السوري منذ بداية الاشتباكات العسكرية في سوريا في بداية الـ 2012 تم رصد وتوثيق الكثير من الأضرار في موقع إيبلا الأثري والتي كانت على عدة أشكال:
من خلال الصور التي قدمتها الأقمار الصناعية في عام  2014 تبين إزالة معظم هذه الخيام أو إزالة للقاعدة العسكرية، وعلى الأغلب كان ذلك نتيجة لتغيير المعطيات العسكرية على الأرض.أولاًـ توضّحت الأضرار نتيجة الأعمال العسكرية، حيث تم رصد قاعدة عسكرية مصغرة استغلت موقع التل الذي يعتبر استراتيجياً من الناحية العسكرية، حيث يؤمن رؤيةً واضحة ًجداً للمنطقة المحيطة، وكانت عبارة عن مجموعة من الخيام، بالإضافة إلى السواتر والحواجز الترابية التي برز شكل العديد منها مع شكل الآليات العسكرية التي تمركزت على طول حافة التل بالإضافة إلى القسم الجنوبي منه.

ثانياًـ أثرت الظروف الطبيعية على معظم المباني في إيبلا، والتي هي من اللبن، وفي ظل غياب الصيانة الدورية تصبح ضعيفة المقاومة لعوامل التعرية، إضافة لتعرضها للهجمات والهزات بشكل دائم، ما أدى إلى حدوث العديد من الانهيارات في جداران الأبنية نتيجة التفجيرات ومرور المركبات العسكرية.

ثالثاًـ النهب والتنقيب غير الشرعي فحتى الشهر الأول من العام 2013 لم يتم توثيق أي محاولة للنهب أو السرقة، لكن في الشهر الثامن من العام 2014  تم رصد وتوثيق الكثير من حالات النهب في الموقع، حيث يوجد أكثر من 45 حفرة تدل على أعمال التنقيب غير الشرعي، والتي انتشرت بطريقة عشوائية في محيط التل، وشمال الأكروبول (مركز المدينة) بسبب طبيعية الموقع حيث لا يمكن التكهن بأماكن تواجد اللقى الأثرية.

المدن المنسية (الميتة)

هي جزء من محافظة إدلب، مدرجة على لائحة التراث العالمي منذ العام 2011، وهذه المدن المهجورة تحمل بقايا حضارات كبيرة مهمة غابت ولم يعد لها وجود منذ مئات السنين، خلفت ورائها صروحاً معماريةً رائعةً، منذ أواخر العصور القديمة وصولاً إلى فترة الحكم البيزنطي.

تم هجرها مابين القرنين الثامن والعاشر، وتحتفظ بجزء كبير من أثارها بحالة جيدة جداً من مساكن ومعابد ومباني عامة وحكومية، بالإضافة إلى كونها مثالاً استثنائياً على تطور الديانة المسيحية في المنطقة، بما تتضمنه من كنائس وكاتدرائيات.

تقع على مساحة 5500 كم مربع ذات طراز معماري سوري خاص جداً،  وهي عبارة عن عدة مدن أو قرى مثل جرادة، جبل الزاوية، البارة، قلب لوزة، عين دارا….. هي شاهد على حضارات ازدهرت وأناس عاشوا في هذه المدن ودمرت مدنهم بسبب الحروب، وهذا يتشابه بطريقة أو بأخرى مع ما يحدث داخل المدن السورية في الوقت الحالي.

وقد دفعت الأحداث التي حلت بإدلب وريفها السكان نحو اللجوء إلى أماكن لا يمكن تصورها كهذه الأماكن الأثرية، حسب شهادة العائلات التي انتقلت إلى هناك فإنه بعد “تدمير بيوتنا وتنقلنا من ملجأ إلى أخر لم يبق لدينا خيار غير هذه الأماكن التي كان يقال لنا عنها أنها كهوف، لكن كما يبدو من الزخارف والتفاصيل المعمارية أنها أكثر من ذلك بكثير”.
 بعض من هؤلاء اللاجئين حفروا في القبور القديمة، واتخذوها منازل مؤقتة لهم، بل وأصبحت مصدر رزق البعض،  فحسب شهادة القاطنين الجدد، تتم عمليات الحفر بشكل دوري ليلاً، ويتم بيع القطع المستخرجة لأشخاص من جنسيات مختلفة.. على سبيل المثال تم رصد بيع إحدى القطع التي تعود لعصر البرونز في سوريا بـ400,000  دولار، وهذا بالإضافة إلى آثار المركبات العسكرية والثقوب التي أحدثتها القذائف العشوائية في الجدران، وأعمال الغرافيتي العشوائية أيضاً التي انتشرت مؤخراً في سوريا، حيث يبدو هذا ملاحظاً بشكل كبير في قلعة سمعان، وهي من أهم وأشهر المواقع في المنطقة.
 
إن سرقة الآثار والتجارة غير المشروعة بها أمر موجود في سوريا منذ سنوات، ألا أن وتيرتها ارتفعت بسبب الاضطرابات التي حرمت الكثير من المواقع التاريخية من الحماية اللازمة، بالإضافة إلى كون الكثير منها يقع ضمن مناطق اشتباكات ساخنة، ما يجعلها عرضة للتدمير ولأعمال العنف العسكري.

كما إن تزايد سيطرة ونفوذ الجماعات المتطرفة يشكل حتماً خطراً كبيراً على الإرث الحضاري السوري من معابد وكنائس يتم هدمها يومياً، بالإضافة لعمليات النهب التي تتم، والتي تعتبر من أهم مصادر التمويل لهذه الجماعات.

تم نشرها في موقع الحل السوري 24 نيسان 2015